السبت، 27 نوفمبر 2010

رفقاً بنا أيتها التكنولوجيا
بقلم - سالم خميس الشاعر                                                                                                                            

لو أن وفداً من الماضي السحيق قيّض له أن يزور عالمنا الراهن، ليشاهد مدى سطوة التكنولوجيا على حياتنا، فهل سيحسدنا على ما نحن فيه؟ لم لا؟ ففي نهاية المطاف سينظر أجدادنا الضيوف إلى الأمر من زاوية أننا حققنا انتصاراً كاسحاً في المعركة من أجل تسهيل حياتنا.

لقد أصبح لدينا الكثير من الوسائل التي لم تكن معروفة لديهم كتقنيات الأمن والأمان والترفيه والاتصالات والمواصلات وتبادل المعرفة والسرعة إلخ.. منجزات كثيرة حقاً!.. اللهم لا حسد.

هل هذه هي الصورة الحقيقية لواقعنا المعاصر مع التكنولوجيا؟ لا خلاف حول ما يمكن للتقنيات أن توفره من سبل الحياة الرغيدة والسعيدة، إنما أنا من المعتقدين أننا قليلاً ما نستخدم التقنيات على نحو ذكي ورشيد يحقق الجودة المنشودة للحياة التي نعيش.

أتحدث هنا عن حياتنا اليومية، ولا نيّة لديّ لكي أتوسع في الحديث عن التوظيف القاتل للتقنيات في أسلحة الدمار وتخريب البيئة إلخ.. أترك هذه المسائل لذوي الاختصاص.

خذ مثلاً ؟ وبكل بساطة ؟ استخدامنا للهاتف. في كل وقت تقريباً تجدنا «على الخط»؛ أثناء قيادتنا السيارة، وأثناء العمل، وحتى في البيت وفي الأوقات التي من المفترض أنها من حق أبنائنا وأزواجنا.

لقد سمحنا للهاتف أن يستولي على الأوقات المخصصة لصفاء النفس وهدوئها، والمراجعة الذاتية، واستعادة الذكريات، والاستماع للمذياع، وقراءة الصحيفة اليومية وشحن «بطارية» الأواصر العائلية.. إلى آخر ذلك.

لقد سهّلت التكنولوجيا حياتنا حقاً، ولكن ما هو الثمن؟

دار هذا المونولوج في مخيلتي وأنا أتنقل بين أجنحة شركات التقنيات المعاصرة المشاركة في معرض جيتكس 2010 الذي أقيم في دبي أخيراً. ولقد ترددت في البوح بهذا الهاجس لأي كان، كي لا أوصف بالتشاؤم وبأني ضد الحداثة، لكني سرعان ما حسمت «مونولوجي» الداخلي بأن قررت أن أكتب ما قد يشاطرني فيه بعض القرّاء ويختلف معي فيه آخرون.

لن يحتاج المرء للسفر عبر الزمن كي يكتشف أننا بتنا في زمن التكنولوجيا نفتقد إلى حد كبير الكثير من القيم التي تؤكد إنسانية الإنسان.

ومن بين ذلك الإحساس براحة البال والتأمل والاستمتاع بالزمن والروحانيات والتواصل الاجتماعي الحقيقي والتعاطف وروح الجماعة والقناعة، ناهيك عن الإحساس بالإثارة الناجمة عن مغالبة مصاعب الحياة وعقبات الطبيعة وأشياء أخرى عديدة.
تهيمن على عصرنا تقنيات السرعة، فننساق باستلاب تام وراء إيقاع الحياة المجنون الذي جعل منا أشبه بمن يرقصون على صفيح ساخن، ومع هيمنة السرعة على حياتنا.

نستيقظ كل صباح مثقلين بالإحساس بأننا متأخرين، وبأن أشياء كثيرة مهمة في حياتنا قد تجاوزتنا، ويتعين علينا مطاردتها بكل ما تحمل كلمة المطاردة من معنى.

لم يكن هذا هو شعور من سبقونا بجيلين أو ثلاثة، عندما كان الإنسان يقطع المسافات والفيافي إما مشياً على الأقدام أو ركوباً على الدواب، ومع ذلك يشعر بنشوة السبق والإنجاز، وينام ملء جفونه جراء راحة البال والطمأنينة.

في عصر المعرفة، بتنا نسبح في بحر من المعلومات من دون أن يصيب البلل أغلبنا. المعلومات في كل مكان، لكن أكثر الناس لا يعلمون. أما بشأن بحثنا عن الحقيقة، فينطبق علينا قول الشاعر «ظمآن والنهر في يديه» إذ باتت الحقيقة إحدى ضحايا زحمة المعلومات.

من منّا يستطيع اليوم أن يثق تلقائياً بمعلومة جاءت بها قناة تلفزيونية أو موقع إلكتروني أو رسالة نصية قصيرة؟ وكم عدد الأشخاص الذين لديهم المقدرة على «غربلة» المعلومات والرسائل والقيم التي تهطل بغزارة علينا ليتبين السمين من الغث؟

في عصر الاتصالات ما أقل التواصل بين بني البشر! أفراد من عائلة واحدة لا يلتفتون إلى بعضهم بعضاً إلا بما تسمح به الفواصل ما بين الفيسبوك والمسنجر وتويتر والتلفزيون وغيرها.

قلّ الكلام، وحلت مكانه رسائل نصية باردة حد الصقيع. غابت رسائل الورق التي كثيراً ما حملت معها المشاعر الدافئة، وانتشرت بدلاً منها «إيميلات» جامدة.

أما بشأن ألعاب الكمبيوتر، فلعلنا نتذكر حكاية الزوجين الكوريين قبل أشهر قليلة عندما انهمكا في لعبة تحد إلكترونية على الإنترنت، وظلت «المعركة» بينهما سجالاً إلى أن ماتت طفلتهما من الجوع وهي تنتظر أن يلتفتا إلى بكائها.

في زمن تتعدد فيه قنوات التواصل بلا حدود، يسهل على المرء أن «يجمع» آلاف الأصدقاء في زمن قياسي. وفي أحد الملتقيات التي نوقشت فيها شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وقف أحدهم ليقول متفاخراً إن له من الأصدقاء خمسة آلاف ويزيد.

وعندما سئل الرجل إن كان يعرف أياً منهم معرفة الصديق للصديق، سرعان ما تطور النقاش إلى المقارنة بين مفهوم الصداقة بين اليوم والأمس.

ولا أريد أن أستعيد تفاصيل النقاش، لكني أناشدكم أن لا تحاولوا إقناعي بأن آلاف الأصدقاء على «فيسبوك» مثلاً يمكن أن يكونوا أصدقاء فعلاً، اللهم إلا إذا كان فهمي الخاص لمعنى الصداقة هو فهم متخلف!

وفرت التكنولوجيا الكثير من الحلول الأمنية التي من المفترض أنها تحرس خصوصيتنا، وبياناتنا، وتضمن سيرورة مصالحنا ومعاملاتنا. لكننا جميعاً نعلم ما الذي سيصير عليه الحال إذا ما تعرض كابل بحري لحادث، أو إذا ما تعرضنا لهجوم إلكتروني شديد يشل حركة الإنترنت لأسابيع مثلاً.

الحديث عن عصر التكنولوجيا ذو شجون. والسؤال يبقى ماثلاً: هل مكّنتنا التقنيات من السيطرة على حياتنا؟ أم سلبت منا إرادتنا، وجعلتنا ننصاع إلى درجة أننا نسينا أنفسنا؟

* نقلاً عن صحيفة البيان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق